الشركات العائلية في دبي: دور الشركات العائلية في إدارة الثروات وتعزيز رخاء العائلات

تَشهد الإمارات، وخاصة إمارة دبي، نموًا ملحوظًا في عدد الشركات العائلية التي يتم تأسيسها في المنطقة. وتعكس هذه الظاهرة الثقة المتزايدة في البيئة الاستثمارية الإماراتية بين العائلات الثرية التي تسعى لإدارة ثرواتها وتوسيع أعمالها في بيئة آمنة ومستقرة.

تَتمثل المهمة الأساسية للشركات العائلية في إدارة أصول العائلات وإدارة شؤونها المالية، إلى جانب التنسيق والتعاون الوثيق مع المستشارين الماليين المحترفين ومقدمي الخدمات المتخصصين.

تَمكنت دولة الإمارات على مدى العقود الماضية من بناء سمعة طيبة كواحدة من أكثر الوجهات جذبًا للشركات العائلية في العالم. ويعود هذا النجاح إلى البيئة التنظيمية الداعمة، والبنية التحتية المتطورة، والنظام الضريبي الجذاب، وهو الأمر الذي جعل من الحصول على ترخيص شركة عائلية في الدولة خيارًا استراتيجيًا في تنمية وإدارة الثروات بكفاءة.

تقدم هذه المقالة تحليلًا متعمقًا لمفهوم الشركات العائلية، وانتشارها الواسع في دبي والإمارات بشكل عام. وسنعرض أنواع هذه الشركات، والوظائف الأساسية، بالإضافة إلى المزايا التنافسية التي تقدمها الإمارات لهذا النوع من الشركات.

ما هي رخصة الشركات العائلية؟

أصدرت رخصة الشركة العائلية خصيصًا لتلبية احتياجات الأفراد والعائلات من أصحاب الثروات في الإمارات، حيث تُعنى هذه الشركات بإدارة استثمارات العائلات وثرواتهم وشؤونهم المالية بشكل متكامل. ويُعتبر هذا الترخيص إطارًا قانونيًا متخصصًا يَسمح بإنشاء وتشغيل شركة عائلية مُستقلة، تكون مهمتها الأساسية إدارة الثروات والأصول العائلية بطريقة مُنظمة وآمنة، مع الالتزام بالقوانين المَحلية.

بمعنى آخر، يُعد الهدف الرئيسي من رخصة الشركات العائلية توفير هيكل قانوني وإداري متكامل لإدارة الثروات الخاصة بالعائلة، سواء كانت عائلة واحدة أو عدة عائلات مترابطة. ولا يقتصر دور هذه الشركات على التخطيط المالي للعائلات فحسب، بل يشمل أيضًا التخطيط الاستراتيجي لمستقبل العائلة والحصول على الاستشارات القانونية، ويصل أحيانًا إلى إدارة شؤون حياة العائلة اليومية.

تاريخ الشركات العائلية في إدارة الثروات

تَمتد جذور الشركات العائلية إلى قرون طويلة، حيث يعود تاريخها إلى العصور القديمة التي شهدت الإمبراطوريات التجارية والمالية العائلية. ويُرجِع العديد من المؤرخين بدايات هذا المفهوم إلى القرن الخامس عشر في إيطاليا، حيث بَرزت عائلات ثرية مثل عائلة ميديتشي، التي اعتمدت على المستشارين الماليين المتخصصين لمساعدة العائلة في إدارة الثروات والشؤون القانونية المُرتبطة بها.

ومع تطور الزمن، ظهرت الشركة العائلية بالشكل الحديث المَعروف اليوم في أواخر القرن التاسع عشر، خاصةً في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لعبت عائلات كبرى مثل روكفلر وفاندربيلت المُختصين في مجال الصناعة دورًا محوريًا في صياغة هذا النموذج.

كان تركيز الشركات العائلية في البداية منصبًا بشكل أساسي على إدارة الاستثمارات والتخطيط الضريبي والأنشطة الخيرية المتعلقة بالعائلات. ولكن توسعت مهامها مع مرور الوقت لتشمل نطاقًا أوسع من الخدمات، مثل الحفاظ على ثروة أجيال العائلة القادمة، وتعزيز حوكمة الأسرة، والتخطيط العقاري، بل وامتدت لتشمل جوانب تعليمية واجتماعية تهدف إلى تعزيز تماسك العائلة واستقرارها.

شهد القرن العشرين انتشارًا واسعًا لهذا النموذج خاصةً بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أدى النمو الاقتصادي الكبير إلى ظهور ثروات عائلية ضخمة. واليوم، أصبحت الشركات العائلية خيارًا استراتيجيًا للعديد من العائلات مع تزايد تعقيدات إدارة الثروات وزيادة التحديات القانونية والمالية. وذلك لتوجيه ثرواتها إلى كيانات رسمية تُعنى بحماية أصولها وضمان استمراريتها للأجيال القادمة.

الفرق الجوهري بين رخصة الشركات العائلية والرخصة التجارية

يتميز ترخيص الشركات العائلية باختلافات أساسية عن التراخيص التجارية التقليدية من حيث الغرض والهيكل والنطاق التشغيلي. 

تَختص الرخصة التجارية بالأنشطة التجارية التقليدية التي تَهدف إلى تقديم السلع أو الخدمات للجمهور في مختلف أنحاء دبي والإمارات. وتشمل هذه الرخصة مجالات متعددة مثل التجارة العامة أو التصنيع أو تقديم الخدمات المِهنية في قطاعات الرعاية الصحية والتعليم الاستشارات وغيرها.

تتباين رخصة الشركات العائلية بشكل جوهري عن الرخصة التجارية التقليدية من حيث الأهداف والهيكل التنظيمي ونطاق العمل، حيث تُمنح الرخصة التجارية للكيانات التي تُزاول أنشطة تجارية أو صناعية أو مهنية موجهة للجمهور، ويرتبط بهذا الترخيص مجموعة من الالتزامات التنظيمية والضريبية التي تتفق مع طبيعة كل نشاط، حيث تَخضع هذه الشركات لرقابة الجهات المعنية وتتطلب الالتزام بمعايير السوق وقوانينه.

على النقيض من التراخيص التجارية، لا تهدف رخصة الشركات العائلية إلى ممارسة الأنشطة التجارية مع الجمهور أو تحقيق الأرباح من السوق التجاري. بل تُركز هذه الرخصة على حماية الأصول العائلية وإدارة الثروات بكفاءة، مع تقليل المخاطر المالية والتخطيط الأمثل لتعاقب الملكية بين الأجيال. وتتحمل هذه الشركات مسؤولية الحفاظ على الإرث المالي للعائلة وضمان استمراريته، مما يجعلها أداة استراتيجية في مجال إدارة الثروات العائلية على المدى الطويل.

ترخيص الشركات العائلية: الأطر التنظيمية

يتميز الإطار التنظيمي لترخيص الشركة العائلية باختلاف واضح عن نظيره الخاص بالتراخيص التجارية، حيث تَخضع الشركات العائلية لمعايير تنظيمية خاصة تتناسب مع طبيعة عملها الفريدة، وتحظى بمعاملة استثنائية في المراكز المالية المتخصصة مثل مركز دبي المالي العالمي. حيث تشمل المميزات على الاعفاء من متطلبات إعداد التقارير المُفصّلة، والاستمتاع باستثناءات تنظيمية مُعينة، وذلك نظرًا للدور المُختلف الذي تقوم به هذه الشركات في إدارة الثروات العائلية مقارنة بالأنشطة التجارية التقليدية.

على العكس من ذلك، تلتزم الرخصة التجارية بالمعايير التنظيمية المُوحدة المُطبقة على جميع الشركات ضمن السوق المُستهدف، بما في ذلك الالتزامات الضريبية الكاملة كضريبة القيمة المضافة، والتقيد الصارم بالقوانين الجمركية، وجميع التشريعات المُنظمة للنشاط التجاري دون أي استثناءات تُذكر.

انتشار الشركات العائلية في الإمارات: الأسباب والفرص

تَشهد الإمارات نموًا ملحوظًا في عدد الشركات العائلية، حيث تستحوذ على أكثر من 75% من إجمالي هذه الشركات في منطقة الشرق الأوسط، ويتواجد أكثر من نصف هذه الشركات في إمارة دبي تحديدًا. ويعود هذا الانتشار الكبير إلى الموقع الاستراتيجي الفريد للإمارات، الذي يمكّن الشركات العائلية من الوصول إلى ثروات العائلات الخاصة التي تُقدر بحوالي 3 تريليون دولار أمريكي (11 تريليون درهم)، وهذا ما يجعل دبي الخيار المفضل لدى العديد من أصحاب الثروات الكبيرة والأفراد ذوي الملاءة المالية العالية.

يُشكل مركز دبي المالي العالمي، باعتباره المركز المالي الأول في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، حجر الأساس في النظام البيئي الداعم لـ الشركات العائلية. حيث يستضيف المركز أكثر من 300 شركة مُتخصصة في إدارة الثروات والأصول، وتدار من خلالها ثروات خاصة تُقدر قيمتها بحوالي 1.65 تريليون درهم (450 مليار دولار).

تَسعى دبي، ضمن أجندتها الاقتصادية D33، إلى أن تصبح واحدة من أهم أربعة مراكز مالية على مستوى العالم. وعملت الإمارة بشكل مُستمر على تحسين البيئة التجارية وتسهيل الإجراءات للأثرياء وأصحاب الثروات الخاصة لتحقيق هذه الرؤية الطموحة.

تصنيف الشركات العائلية في الإمارات

تَنقسم الشركات العائلية في النظام الاقتصادي الإماراتي إلى نوعين رئيسيين، ويَتميز كل منهما بخصائص تنظيمية ووظيفية تتناسب مع احتياجات العائلات المختلفة.

الشركات العائلية الفردية (ذات العائلة الواحدة)

تَختص هذه الشركات بتقديم خدماتها لعائلة واحدة فقط، مع إمكانية شمولها لأجيال مُتعددة أو فروع مُختلفة من العائلة تحت كيان قانوني موحد. 

تتميز هذه النوعية من الشركات العائلية بدرجة عالية من التخصيص، حيث توفر مجموعة من الخدمات المُصممة خصيصًا لاحتياجات العائلة الواحدة، مع ضمان السرية التامة والتحكم الكامل في قرارات العائلة. وترتفع تكاليف التشغيل لهذا النوع من الشركات مقارنة بالأنواع الأخرى، وذلك نظرًا لمجموعة المميزات الفريدة التي تقدمها. مما يجعلها مناسبة للعائلات ذات الثروات الكبيرة التي تحتاج إلى إدارة ثروات العائلة بطريقة مُخصصة.

الشركات العائلية المتعددة (ذات العائلات المتعددة)

تقدم هذه الشركات خدماتها لمجموعة من العائلات غير المُرتبطة بعلاقات قرابة، حيث تتقاسم هذه العائلات الموارد والخبرات المتاحة ضمن كيان واحد. 

يُعتبر هذا النموذج من الشركات العائلية أكثر كفاءة من حيث التكلفة، حيث يتم توزيع النفقات التشغيلية على عدة عائلات، مع إمكانية تقديم نطاق أوسع من الخدمات. ورغم قلة مستوى التخصيص مقارنة بالنوع الأول من الشركات، إلا أنها تظل خيارًا مثاليًا للعائلات التي تسعى إلى إدارة الثروات بفعالية دون تحمل تكاليف عالية.

إيجابيات وسلبيات الشركات العائلية الفردية والشركات العائلية المتعددة

يوجد نوعين آخرين أقل شيوعًا من الشركات العائلية: شركات عائلية افتراضية، وهي التي تُدير شؤون الأسرة المالية عن بُعد عبر المنصات الرقمية دون حاجة إلى مقر فعلي، والثانية الشركات المُدمجة التي تُدار ضمن الهيكل التنظيمي للأنشطة التجارية الرئيسية للعائلة، مما يوفر تكاملًا في إدارة الثروات الخاصة بالعائلة.

الخيارات المتاحة لتأسيس الشركات العائلية في الإمارات

أصبح مركز دبي المالي العالمي وسوق أبوظبي العالمي الجهتان الوحيدتان المخولتان رسميًا بمنح تراخيص الشركات العائلية في الإمارات اعتبارًا من عام 2025.

تُقدم بعض المناطق الحرة الأخرى خيارات بديلة مثل تراخيص الشركات القابضة أو الاستثمارية. وغالبًا ما تلجأ العائلات إلى هذه التراخيص البديلة لأغراض حفظ الأصول وإدارة الثروات الأساسية، ومن بين هذه المناطق:

• مناطق رأس الخيمة الاقتصادية (راكز)

• مركز دبي للسلع المتعددة (DMCC)

• الهيئة الدولية للمنطقة الحرة (إفزا)

• مدينة الشارقة للإعلام (شمس)

• مجمع الشارقة للبحوث والتكنولوجيا والابتكار (SRTIP)

لا تتماشى هذه المناطق مع الهيكل التنظيمي المُعتمد لشركات العائلات، ولا تخضع للأطر والمعايير المُعترف بها رسميًا والمُصممة خصيصًا لتنظيم موارد العائلات في دولة الإمارات.